سورة سبأ - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
{لِيَجْزِىَ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} متعلق بقوله سبحانه: {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} على أنه علة له وبيان لمقتضى اتيانها فهو من تتمة المقسم عليه، فحاصل الكلام أن الحكمة تقتضي إثباتها والعلم البالغ المحيط بالغيب وجميع الجزئيات جليها وخفيها حاصل والقدرة المقتضية لا يجاد العالم وما فيه وجعله نعمة على ما مر فقد تم المقتضى وارتفع المانع فليس في الآية اكتفاء في الرد جرد اليمين، واستظهر في البحر تعلقه بلا يعزب.
وذهب إليه أبو البقاء. وتعقب بأن علمه تعالى ليس لأجل الجزاء، وقيل متعلق تعلق {فِى كتاب} [سبأ: 3] وهو كما ترى.
{أولئك} إشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حير الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف أي أولئك الموصوفون بالإيمان وعمل الأعمال الصالحات {لَهُمْ} بسبب ذلك {مَغْفِرَةٍ} لما فرط منهم من بعض فرطات قلما يخلو عنها البشر {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} حسن لا تعب فيه ولا من عليه.


{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)}
{والذين سَعَوْاْ فِى ءاياتنا} بالقدح فيها وصد الناس عن التصديق بها {معاجزين} أي مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا قاله قتادة، وقال عكرمة: مراغمين، والقال ابن زيد: مجاهدين في إبطالها.
وقرأ جمع {معاجزين} مخففًا، وابن كثير. وأبو عمرو. والجحدري. وأبو السمال مثقلًا، قال ابن الزبير: أي مثبطين عن الإيمان من اراده مدخلين عليه العجز في نشاطه، وقيل معجزين قدرة الله عز وجل في زعمهم.
{أولئك} الموصوفون بما ذكر وفيه إشارة إلى بعد منزلتهم في الشر {لَهُمْ} بسبب ذلك {عَذَابٌ مّن رّجْزٍ} أي من سيء العذاب وأشده، ومن للبيان {أَلِيمٌ} بالرفع صفة {عَذَابِ} وقرأ كثر السبعة بالجر على أنه صفة مؤكدة لرجز بناء على ما سمعت من معناه، وجعله بعضهم صفة مؤسسة له بناء على أن الرجز كما روي عن قتادة مطلق العذاب وجوز جعله صفة {عَذَابِ} أيضًا والجر للمجاورة، والظاهر أن الموصول مبتدأ والخبر جملة {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ} وجوز أن يكون في محل نصب عطفًا على الموصول قبله أي ويجزي الذي سعوا وجملة {أُوْلئِكَ لَهُمْ} إلخ التي بعده مستأنفة والتي قبله معترضة. وفي البحر يحتمل على تقدير العطف على الموصول أن تكون الجلمتان المصدرتان بأولئك هما نفس الثواب والعقاب؛ ويحتمل أن يكونا مستأنفتين والثواب والعقاب غير ما تضمنتا مما هو أعظم كرضا الله تعالى عن المؤمن دائمًا وسخطه على الكافر دائمًا، وفيه أنه كيف يتأتى حمل ذلك على رضا الله تعالى وضده وقد صرح أولا بالمغفرة والرزق الكريم وفي مقابله بالعذاب الأليم وجعل الأول جزاء.


{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}
{وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم} أي ويعلم أولوا العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يطأ أعقابهم من أمته عليه الصلاة والسلام أو من آمن من علماء أهل الكتاب كما روي عن قتادة كعبد الله بن سلام. وكعب. وأضرابهما رضي الله تعالى عنهم {الذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} أي القرآن {هُوَ الحق} بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى والمفعول الأول هو الموصول الثاني و{هُوَ} ضمير الفصل.
وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على جعل الضمير مبتدأ وجعله خبرًا والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ، وقوله تعالى: {وَيَرَى} إلخ ابتداء كلام غير معطوف على ما قبله مسوق للاستشهاد بأولى العلم على الجهلة الساعين في الآيات. وفي الكشف هو عطف على قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة} [سبأ: 3] على معنى وقال الجهلة: لا ساعة وعلم أولى العلم أنه الحق الذي نطق به المنزل إليك الحق وتعقب بأنه تكلف بعيد فإن دلالة النظم الكريم على الاهتمام بشأن القرآن لا غير، وقيل عليه: أنت خبير بأن ما قبله من قوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة} [سبأ: 3] وقوله سبحانه: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ} [سبأ: 7] إلخ في شأن الساعة ومنكرى الحشر فكيف يكون ما ذكر بعيدًا بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن بطريق الاستطراد والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة، وقال الطبري. والثعلبي: إن {يرى} منصوب بفتحة مقدرة عطفًا على يجزي أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساة معاينة أنه الحق حسا علموه قبل برهانا ويحتجوا به على المكذبين وعليه فقوله تعالى: {والذين سَعَوْاْ} معطوف على الموصول الأول أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضر الفصل كما توهم، وجوز أن يراد بأولي العلم من لم يؤمن من الأحبار أي ليعلموا يومئذ أنه هو الحق فيزدادوا حسرة وغمًا. وتعقب بأن وصفهم بأولي العلم يأباه لأنه صفة مادحة ولعل المجوز لا يسلم هذا، نعكم كون ذلك بعيدًا لا ينكر لا سيما وظاهر المقابلة بقوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} [سبأ: 3] يقتضي الحمل على المؤمنين {وَيَهْدِى إلى صِرَاطِ العزيز} الذي يقهر ولا يقهر {الحميد} المحمود في جميع شؤونه عز وجل، والمراد بصراطه تعالى التوحيد والتقوى، فاعل يهدي إما ضمير {الذى أَنزَلَ} أو ضمير الله تعالى ففي {العزيز الحميد} التفات، والجملة على الأول إما مستأنفة أو في مضوع الحال من {الذى} على إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كما في قوله:
نجوت وأرهنهم مالكًا ***
أو معطوفة على {الحق} بتقدير وإنه يهدي وجوز أن يكون يهدي معطوفًا على {الحق} عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى: {صافات وَيَقْبِضْنَ} أي قابضات وبعكسه قوله:
وألفيته يومًا يبير عدوه *** وبحر عطاء يستحق المعابرا

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8